استخدام أسلوب كورت للتفكير PMI فى معالجة الإلحاد

تتنوع الأساليب التي يمكن استخدامها في معالجة الأفكار التي تسير بالمجتمعات إلى الانحراف، سواء كانت طارئة أو قديمة، ومن أبرزها أسلوب برنامج كورت للتفكير PMI، حيث يمكن من خلال هذا الأسلوب محاورة الابن المراهق المائل للإلحاد، ولكن لابد من استخدامه بذكاء حتى يكون مثمرًا يوصل الأهل إلى مرادهم مع ابنهم بطريقة غير مباشرة .

يعيننا هذا الأسلوب المستخدم في معالجة الأفكار وتنمية المهارات والقدرات في تحليل المواضيع والأفكار وبيان الجوانب السلبية والإيجابية منها، لاتخاذ مواقفنا على أسس موضوعية مجردة عن الذاتية والعاطفية، فما هي الطرق الكفيلة بجعلنا نفكر بشكل سليم ونحلل ما يدور حولنا من مواقف ومعطيات؟ وكيف يمكننا بناء مواقف صائبة ومسؤولة في حياتنا الشخصية والعملية؟

مهارات التفكير

يمكن تعريف مهارات التفكير بأنها عمليات عقلية محددة نمارسها ونستخدمها عن قصد في معالجة المعلومات والبيانات لتحقيق أهداف تربوية متنوعة تتراوح بين تذكُّر المعلومات ووصف الأشياء وتدوين الملاحظات وصولاً إلى التنبؤ بالأمور وتصنيف الأشياء وتقييم الدليل وحل المشكلات والوصول إلى استنتاجات.

إن مهارات التفكير –نسبيًّا- عبارة عن عمليات إدراكية منفصلة يمكن اعتبارها لبنات بناء التفكير، ومهارة معالجة  الأفكار وتحليلها أو ما يسمى بالتفكير الناقد تقوم على قدرة الفرد على إبداء الرأي المؤيد أو المعارض في المواقف المختلفة، مع إبداء الأسباب المقنعة لكل رأي، ومن هذا التعريف الإجرائي البسيط يمكن لكل فرد أن يزاول هذا النمط من التفكير بصورة ذاتية، أو من خلال التفاعل مع الآخرين”

ويمكن الإشارة إلى ذلك من خلال هذا المثال التوضيحي لمهارة معالجة الأفكار: وذلك عبر توجيه سؤال: لماذا يجب أن نؤمن بوجود دين؟ .

يعتمد الجواب على بيان النقاط الإيجابية بدايةً من وجود الدين وعدمه، فنوضّح للسائل أولاً أن الدين قوة دافعة للسلوك الخيّر، وله أثره الواضح على النمو النفسي الإيجابي للأطفال، وأن المؤمن يعيش في حالة من الاستقرار النفسي والأمن الروحي، وتنمو ثقته بنفسه، وأنه فطرة الله التي فطر الناس عليها، بناء الصحّة النفسية والتكيف النفسي والاجتماعي للإفراد، وأنه يساعدهم في حل مشكلات الحياة ويجنبهم القلق، وأنه غذاء روحي للمجتمعات البشرية وبدونه تصبح النفس أشبه بغابة الأشباح أو القلعة المهجورة، كما أن الدين سبب في تنمية السلوك الخلقي من خلال مجموعة الأوامر والنواهي، ويزود الأفراد بنسق من القيم والمبادئ والمعايير والمحاكمات الاجتماعية.

إضافة إلى ذلك فإن الدين يزود الفرد برؤية وارتباط بعالم آخر غير محسوس بل هو فوق هذا العالم وفيه الخلاص والرحمة، كما أنه ينمي لدى الفرد الشعور بالصبر والإيمان والأمل والولاء وغيرها من المشاعر الإيجابية، وهو الأساس الذي يبني عليه الفرد فلسفته في الحياة ويساعده من الناحية الاجتماعية في إقامة علاقات اجتماعية ذات معنى ودلالة، ويخلصه من مشاعر الذنب واليأس والشك وغيرها من المشاعر السلبية، ويسهم في تخفيف حدة التوتر والانفصام وذلك من خلال الالتقاء العقلاني بين الدين والتطور العلمي والتكنولوجي.

وقد يكون السؤال مثلاً: “لماذا يجب أن نؤمن بوجود إله” وهنا نعمد أيضًا لعرض النقاط الإيجابية في الاستدلال كعرض قانون السبب والنتيجة: حيث إن كلّ سبب له نتيجة وكلّ نتيجة لها مسبّب، وهذا هو أساس جميع العلوم، وله صلة وثيقة بخلق السماء والأرض، والدليل على وجود الله هو أنَّ ما له بداية وجود لا بدَّ وأن له سبباً لوجوده، وسبب وجود الكون لا بدَّ وأنه هو الله تعالى، لأنّ صفات سبب وجود الكون كونه غير مرتبط بزمن، وموجود خارج المكان هي من صفات الله عزّ وجلّ، والتركيز على الحكمة والغائية هو عبارة عن دراسة مجموعة من الظواهر الطبيعية، لبيان الأهداف والأغراض أو الخطط كي نتوصل إلى مصمم الكون.

الإضاءة على النقاط السلبية

يعتمد المنهج المذكور على مناقشة السلبيات وتفنيدها، حيث يقدّم الطفل أو المراهق السلبيات التي تلقّاها في القضية أو الموضوع ويقوم أهله بمناقشتها واحدة تلو الأخرى، فعلى سبيل المثال إن قال الابن “إنه لا يرى وجودًا ماديًّا لله” فهنا نعرض عليه سلبيات هذه الفكرة، فمنشأ الإيمان بوجود الإله هو الفطرة؛ لأنّ الفطرة السليمة تشهد بوجود الله تعالى ولا يُمكن أن يتغاضى الإنسان عنها إلا إذا كان عاصياً وبعيداً عن ربه، فإذا كان الإنسان يحس من تلقاء نفسه سيعلم أنَّ الله خالقه وربه، وسيشعر بحاجته إليه في المصائب والشدائد المختلفة، كما أن جميع الأحداث الكونية التي تمر من حولنا تدل بشكلٍ واضح على وجود الله تعالى، ومن أهم هذه الحوادث حادثة الخلق، حيث خلق الله عز وجل جميع ما في الكون من كائنات بشرية، وأشجار، وبحار، وأنهار، وسماء، فمن المستحيل أن تتواجد هذه الأشياء صدفة، أو يتم خلقها بشكلٍ ذاتي، بل لها موجد أوجدها وخالق خلقه كما قال الله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أم خَلَقُوا السَّمواتِ والأرض بل لا يُوقِنُون} [الطور: 35-36].

ولعل الابن يستشهد ببعض الشبهات من قبيل “إن الدين يقيد حرية الانسان”، فيجب على محاوره أن يبين له موقف الدين من الحرية وآثار هذا الموقف في الحياة والمجتمعات، ويقارنه بما عداه من الحرية في الفلسفات الأخرى وأثرها في المجتمعات.

لقد جاء الإسلام فأقر مبدأ الحرية وليس أدل على تعظيمه من شأن الحرية أن جعل السبيل الى إدراك وجود الله هو العقل الحر، ولكن هذا الإقرار لا يعني أنه أطلق الحرية من كل قيد، إذ لا مجال لضبط حريات البشر ما لم تكن أمامها ضوابط تأمر وتنهى وتحدد المسار، وإلا فإن ذلك يؤدي بالإنسان إلى الفوضى التي تثيرها الأهواء والشهوات، فالإنسان ليس مخلوقًا كاملاً لا يعتريه النقص.

من ناحية أخرى فإنه يجدر بالإنسان أن يفهم الحرية على أنها سمة مميزة له عن الجمادات والمادة، ولا يعدها أمرًا مزاجيًّا خاضعًا للذوق والرغبة، بل يقيمها على أصول ومرتكزات ويجعلها جزءًا لا يتجزأ من مبادئه وقيمه.

إن ما يقدمه بعض المنبهرين بالغرب عن ضرورة الحرية على النمط الغربي ليس إلا صورة زائفة قائمة على أساس مادّيٍّ بحت وليس لها قيود دينية ولا حدود أخلاقية، ويقابلها في الإسلام مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي شرع لصيانة الأمة وحمايتها من إشاعة الفساد والدمار والفوضى.

إضاءة النقاط المثيرة

ينبغي في استخدام هذا المنهج الإضاءة على النقاط المثيرة في الأفكار التي ندافع عنها، مثل الإشارة إلى التعاسة الروحية والكآبة التي يعاني منها الناس المنغمسين في الحرام والبعد عن الله، وربما تؤدي بكثير منهم إلى الانتحار.

ومن المفيد التركيز على عظمة الإسلام وعرض الحكمة من شرائعه والإشارة إلى الأخلاق التي تحلّى بها حمَلَته الصادقون وعرض بعض معالم الإعجاز المؤكّدة في القرآن الكريم وتقريبها لأفهام الشباب بهدف غرس الوعي المتعالي على نظريات المادة في أفئدتهم وعقولهم.